يقول الشيخ عبد الحميد كشك:
حضر لدينا في هذا المسجد أستاذ في جامعة بولاية ايوا بأمريكا
وهذا الدكتور اسمه: ويليم شيبر أستاذ متخصص في علم مقارنة الأديان
وجلس معي من بعد صلاة العصر إلى أن أذّن لصلاة المغرب.. يناقشني في الإسلام
وقال لي: ما الفرق بينكم وبيننا؟
هو نصراني أمريكي، ونحن مسلمون موحدون بالله
فقلت له: إن الفرق بيننا وبينكم في أمور أساسية
نحن موحدون وأنتم مثلثون.. نحن نقول: لا إله إلا الله
وأنتم تقولون: باسم الأب والابن وروح القدس.. إله واحد
قال لي: وأي شيء في التثليث؟!
قلت له: لكي نفهم ما تقولون لا بد أن نلغي عقولنا
كيف تكون الثلاثة واحداً؟!
كيف يكون الأب والابن وروح القدس واحداً
إن تعدد الذوات يدل على تغايرها
والتغاير يدل على التعدد.. فكيف يكون الثلاثة واحداً؟!
فقال لي: اضرب لي مثلاً
فقلت له: إذا أحضرت لك قدحاً من الشاي وقدحاً من اللبن وقدحاً من الماء
وقلت لك: كم هؤلاء؟
إن قلت لي: إنها شيء واحد. قلت لك: اسمح لي بأن أحولك إلى مستشفى العباسية قسم الأمراض العصبية والنفسية
وإن قلت لي: أنها ثلاثة. قلت لك: كيف تكون الثلاثة واحداً؟!
فقال لي: إنها واحد.. كاصبع اليدين فإن الاصبع مكون من ثلاث عقد ومع ذلك فهو إصبع واحد
قلت له: قل لي يا دكتور
أهذا الاصبع مركب أم بسيط؟
فقال لي: مركب
قلت: إذا كان الإله مركباً فمن الذي ركّب الإله قبل أن يكون مركباً وهو خالق كل شيء؟!
فقال لي: إنه هو الذي ركب نفسه
فقلت له: وكيف كان حاله قبل التركيب؟
قال: لم يكن مركباً
قلت له: فإذاً ركب بعد التركيب
إذا ركب بعد ذلك صار حادثاً لأن التغيير دليل الحدوث، والحدوث يقتضي أن يكون قد سبق وجودَه عدمٌ.. فمن الذي أخرج الإله من العدم إلى الوجود؟
وهو الأول الذي لا شيء قبله والآخر الذي لا شيء بعده.. الظاهر الذي لا شيء فوقه والباطن الذي لا شيء دونه!!! فهمس في أذني قائلاً: أشهد أن الله واحد
ثم سأل وقال: ما ذنب الذين لم تصلهم دعوةُ محمد
فقلت له: يا دكتور الناس من حيث الدعوة ثلاثة أقسام:
قوم وصلتهم الدعوة فآمنوا.. فهؤلاء ناجون من عذاب الآخرة
وقوم وصلتهم الدعوة فلم يؤمنوا.. فهؤلاء داخلون النار
وقوم لم يصلهم شيء وهذا أمر يبدو مستحيلاً في عصر الذرة وغزو الفضاء
فأمرهم إلى علمِ الله تعالى: إن عَلِم أنهم سيقبلون دعوة محمد إن وصلتهم فهم من أهل الجنة
وإن علم أن قلوبهم مُصِرّة على العناد وعدم الإيمان بمحمد فمصيرهم إلى غير ذلك.
ثم سألته فقلت له: لِمَ لم تؤمنوا بسيدنا محمد؟
فقال لي: إنني أؤمن به
فقلت له: إذن ما الفرق بين عيسى ومحمد عندكم
فقال: أنا أؤمن بعيسى على أنه ابن الله وأؤمن بمحمد على أنه نبي الله
فسألته: البنوة التي بين الله وبين عيسى.. أهي بنوة بيولوجية عضوية، أم أنها بنوة رحمة على أنه من خلق الله؟! فسكت قليلاً ثم قال: أعد السؤال
وطلبت من المترجم الذي كان بيننا أن يعيد له السؤال بأسلوب واضح:
البنوة التي بين الله وبين المسيح كيف تمت؟ كيف ولد الله؟ كيف جاء عيسى من الله؟
ومن الذي كان يسّير الملك قبل عيسى؟
وإذا كان عيسى هو ابن مريم.. فمن الذي خلق مريم قبل أن تلد عيسى؟
إن قلت.. أنه هو الذي خلق أمه قبل أن تلده.. يعني عيسى خلق أمه قبل أن تلده هي
قلت لك: هذا محال لأن كونه خالق.. يقتضي أن يكون متقدماً في الزمان وكونه مخلوق يقتضي أن يكون متأخراً في الزمان، فكيف يكون الشيء الواحد متقدماً متأخراً في نفس الوقت؟!
في وقت واحد يكون متقدماً على أنه خالق، ويكون متأخراً على أنه مخلوق!!
هذا تناقض يا دكتور!
فهمس في أذني قائلاً:
أشهد أن عيسى عبداً من عباد الله
قلت له: عند هذا الحد اتفقنا
وقلت له: ختام كلمتي يا دكتور
لقد آمنا بعيسى نبياً ورسولا
وآمنا بمحمد نبياً ورسولا
واسمح لي أن أضرب لك هذه الحادثة.. لحاخام يهودي، وقسيس نصرانين وإمام مسلم.. هو الإمام محمد عبده.. جلس الثلاثة في حضرة الخديوي في قصر عابدين
فقال لهم خديوي مصر: أنتم الثلاثة تمثلون الأديان الثلاثة وأريد أن يثبت كل واحد منكم أنه وأتباعه.. هم الذين سيدخلون الجنة
قال حاخام اليهود: ليتكلم البطريارك أولا
وقال البطريارك: ليتكلم الإمام أولا
فقال الخديوي: تكلم يا إمام
فقال الإمام: يا خديوي إذا كان اليهود سيدخلون الجنة فنحن داخلوها لأننا آمنا بموسى
وإذا كان النصارى سيدخلون الجنة فنحن داخلوها لأننا آمنا بعيسى
وإذا كنا داخليها فلن يدخلها هؤلاء ولا أولئك.. لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
فإيماننا إيمان شامل كامل
وودعني الرجل وانصرف
وأخذتني الحسرة على ما سار عليه حال المسلمين
دكتور من ولاية أيوا بأمريكا يقطع آلاف الأميال ليبحث عن محمد
يقطع آلاف الأميال جرياً وراء الحقيقة.. ونحن ماذا حلّ بنا؟!
يا حسرة على ما فرّطنا في جنب الله ورسوله.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} من سورة الأنعام